أنبياء المال والسندات

لَعَلَّ أنبياء المال والسندات قد حسموا أمرهم وقرروا تغييرا سريعا في لعبة الأمم يقتضي حصد أموال الدنيا كلها وامتلاك ناصية السلطة من جديد. من المرجّح أنهم رأوا ثمة تسرّب يجري من بين يديهم.أرادوا إنهاك الإقتصاد لتعزيز القبضات، زرعوا اليأس في جسد المؤسسات لتتهيأ لهم ثمارها دون نصب ولا تعب، بدأوا بحصد الذهب، بعد أن روت الأخبار، أن تجار المعدن النفيس يسارعون لبيع بضاعتهم، طمعا في جني أرباح فرضتها ارتفاعات سريعة، وهكذا، لن يكون هناك سوى مشترٍ واحد، هو ذاته من أرسل أبنائه للممالك، وأوكل إليهم حشو الحطب تحت قدور الحروب. هل يخطط السادة لمزيد من التداعيات، هل يدفعون الدول المنهكة أصلا، لمزيد من صفقات النقد الدولي؟ ربما كان لهم مآرب أخرى؛ تهيئة قواعد مثالية لمشاريع استعمار من أنواع مختلفة، ثروات إضافية من لقاح جديد سيتلقفه العالم كله بلهفة وبثمن باهظ، هل استكثروا عدد الناس في على وجه الأرض؟ هل إنتاجيه كبار السن على المحك؟ هل تأفف بيت العائلة من صنيعة الوغى فقرر تغيير قواعد اللعبة؟ ربما، لكن ذلك في الواقع مهنة سادة المال التي لم تتبدّل منذ قرنين من الزمان. لا حرب تخلوا من رعايتهم، ولا تستعر جذوة نار ليس لهم فيها حطبا. بدا كما لو أنهم تَبَرَّمَوا من سير الدنيا على وتيرة واحدة، فقرروا منح الضجر إجازة مفتوحة، وأطلقوا سراح الأسلحة ليتركوا للإضطراب مهمة العزف على أوتار الخوف. وإذْ ذاك، فلن يكن بوسعهم القلق. تناسبهم في الواقع هذه الرياح المشبعة بالهواجس، لقد بنوا ثرواتهم الخيالية عليها، وسخروها لأهداف سياسية واجتماعية وثقافية، ملكوا الإعلام وزمام الإقتصاد، فأضحت رغبات اللعب النزقة، متاحة وميسّرة.تحرق الحروب قمر الفقراء. لا هدف لها سوى أحلام الزعامة. تتخذ في سبيل إنضاجها، إِرْتِعَابا ورَهبةً وهَلَعا، فتبقى النفوس متعبة، والإكتئاب سيد الموقف، والخوف وحش يتضخّم، يشرب من الهواجس ويتغذّى على القلق. تتفاعل لعاباته مع جهل الناس بالخطوات وبسبل السلام، لكنه وحش لا وجود له سوى في الأدمغة المشوّشة.لو استقبلت أوروبا ما استدبرته من وباء مستفحل، لما انشغلت بمأوى المصابين ولا بمشافيهم ولا بدوائهم، ولتفرّغت العقول لابتداع الترياق وتكوين البلاسم. لكنها خطط حجّاب المال وسدنة السلطة ولا مناص سوى بإنفاذها.هذا الوقت سيمضي. بكلف عالية أو بكلف قليلة. لكنه سيمضي، ليعيد بانتهائه انتاجا مختلفا لمفهوم الدولة المدنية في العالم، ومفهوم الحرية والديمقراطية في نموذجه الأوروبي والغربي عموما، وفي المطلق، فإنه يعيد ترتيب الأولويات في العالم بأسره، نحو مزيد من التمازج بين أساسيات الحياة وطرق الحفاظ عليها.


لخبر على موقع المصدر:“عمون نيوز”