الجائحة بين متطلبات الحاجة ومقتضيات الضرورة

من كان يظن أن الانضباط الاجتماعي قد وصل إلى مستويات قياسيّة، ومن كان يعتقد أن الدولة قد استعادت شوكتها، والمؤسسات قد استردت هيبتها بهذه السرعة النَّاجزة في هذا التوقيت المهم، ولعلني كنتُ أراهن دوماً وقبل هذه الجائحة على ضرورة المراجعة الحثيثة لسبل التكافل الاجتماعي، وتعاون المؤسسات العامة من خلال تطبيق قواعد العدالة، وترسيخ قيم المساواة، ولجم الأصوات النشاز التي تحاول الاستقواء على الدولة بقصد أو بدونه.حظر التجول الذي نعيشه حاليّاً سيُشكل درساً استثنائيّاً في الفهم العام لمقتضيات الأمن الاجتماعي، وعلامة فارقة في سبل تحمل المسؤولية من قبل الحكومة بفريقها ومؤسساتها وخططها التي تجاوزت العشوائيّة إلى أفق التعبئة العامة الحكيمة المتدرجة والمتوازنة بين موجبات الإقدام والشجاعة، واستحقاقات التفكير العاقل في الآثار وحساب النتائج المباشرة وغير المباشرة في الأداء العام ، وبالمقابل مارست قواتنا الباسلة وأجهزتنا الأمنية سلوكاً عاماً يرتقى إلى مستوى السلوك العسكري والأمني المحترف في الدول الديمقراطية المتقدمة ؛ بل أكثر من ذلك فقد مزج بسلوك راقٍ مفعم بالأخلاق الوطنية والقيم السامية القائمة على سمو الهدف ومشروعية الوسيلة.حسناً فعلت الحكومة في تجنيب القوات المسلحة- الجيش العربي- والأجهزة الأمنية مهمة توزيع المواد الغذائية في ظل عدم قدرة الحكومة على إدامتها بدون مقابل ؛ لأن تلك المهمة بشكلها المتاح تخدش القيم العسكرية التي تربّت على العطاء دون الأخذ حتى ولو بمقابل أو ضرورة ، وأصابت الحكومة عندما أعطت الأولوية للخبز والماء وحليب الأطفال والدواء ، والسبب أن إدامة هذا الأمر ممكن ومتاح في هذه المرحلة ويوجه رسالة للأردنيين تتضمن أن صحة المواطن وسلامة الوطن تستحق التضحية والصبر.الحاجة تتسع وتضيق وفقاً للممكن والمتاح ، أما الضرورة فلا بد من تحقيقها ؛ لأنها تتعلق بأساسيات الحياة أو الضرورات اليومية التي لا غنى عنها ، وحظر التجول يعتبر فرصة وطنية ؛ لتدريب الأردنيين على الاكتفاء بالضرورات الأساسية تخفيفاً على أجهزة الدولة وصرف جهودها إلى متطلبات أخرى لاحتواء الوباء اللعين ، وتدريب النفس على الاستغناء عن حاجات يمكن التنازل عنها في الظروف الصعبة كتلك الجائحة التي تجتاح عالمنا هذه الأيام.المؤسسات الوطنية بأدائها الملفت المتناسق تمارس واجبها الدستوري والوطني باحتراف ، والوزراء يوًدون مهامهم بمهنية وإخلاص ناجزين وتناسق وتكامل رائعين تعبر عن انسجام الفريق برمته وتطبيق أمين للخطط ، وتنسيق واعٍ مع كافة الأجهزة الأخرى يستوجب الإشادة والتأييد، فالانصياع الكامل لكل القرارات وأوامر الدفاع الصادرة هو واجب لا يقبل الاجتهاد أو النقاش. الظرف الوطني لا يحتمل التقييم في هذه المرحلة الاستثنائية الدقيقة التي تتطلب توحيد الجهود في محاربة هذا الفيروس الخطير .ينبغي أن يذهب حظر التجول بعيداً إلى مداه الآمن ، وليكن الاهتمام العام في هذه المرحلة ينصبّ على الاهتمام بالكوادر الصحية خط الدفاع الأول عن السلامة الوطنية ، وتفعيل الاستقصاء الوبائي للمخالطين والحالات غير المعروف مصادرها ، ومناط هذا الجهد يرتبط تماماً مع صحة المواطن التي تشكل أولوية لكل العاملين على احتواء هذا الفيروس ومنع تفشي هذا المرض الخطير .التحية كل التحية لجنود الوطن أبناء الاْردن الحبيب في كل المواقع وحتى أولئك المواطنين المرابطين في بيوتهم .حمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الوفي وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.


لخبر على موقع المصدر:“عمون نيوز”