محرك نفاث في الإتجاه المعاكس ..

قبل عام لم يكتمل بعد، كتبت في عمون، عن تأييد مقترح بمنح الحكومة محرّكاً نفّاثاً، كي يسهل عليها اختراق السحب الركامية التي كانت تتلبد في الأفق. بعد نحو عشرة أشهر من هذا التأييد، بدا جليّاً واضحا أن الحكومة مُكبّلٌة بقيود الأداء التقليدي، وبدا أنه ليس باستطاعتها محاولة الولوج لواحدة من تلك الأجندات. لقد مارست عملا حكوميا تقليديا كان أقرب إلى تصريف الأعمال منه لقيادة مبادرات وتنفيذها، فتحوّل أداؤها لمعالجة أزمات مفتعلة وطبيعية، وانحصر دورها في الحفاظ على خط السير التقليدي العقيم، دون التفكير باجتراح حلول تسدد بها دين ثقة الناس وثقة الملك.أول القلق الذي اعتراني، هو أن هذه الحكومة لم تدخل بعد على خطوط الأزمات؛ الداخلية منها والخارجية. تتعامل الوزارات مع وضعنا الإقتصادي بحالة من الإرتخاء، كما لو كنّا في مشهد الثمانينات وأيام المنح والقمرة والربيع. غير مدركة لحجم المآزق الإقتصادية كثمن مكلف لحالة المشهد السياسي الوطني، ومواقف هذا الوطن الثابتة.لا أبتعد عن الحقيقة حينما أقول أن غياب عمل ديمقراطي منظم يتسق فيه عمل السلطات الثلاث، هو جزء من المشكلة الكبيرة التي نعاني منها. كل يوم تبرز نتائج لهذا الغياب، ولعل الضجيج الذي يرافق التعديلات على الحكومة من أبرزها، إذ لو كانت حكومات برلمانية، لكان على الرئيس أن ينتخب أعضاء فريقه من حزب له برامج وأهداف ووسائل، لا أن يضطر لتوزير أشخاص ليختبرهم ثم يستبدلهم بعد فترة وجيزة.وهو كذلك، غياب كبير يفضي لمآزق اقتصادية وسياسية واجتماعية، وبالطبع فإن دولة الرئيس يتحمّل جزءا كبيرا من غيابها، حين كان بوسعه أن يبتدر لإنفاذ أمر الملك في أوراقه النقاشية، ويجعل من هدف الوصول لتجربة ديمقراطية حقيقية، أولوية أولى، تتصدر مصطلحات ومفاهيم لا تتسق والحالة الأردنية، في العقد الجديد ومشاريع النهضة الحكومية.معلومٌ أن الإدارات الحكومية في الدول المتقدمة، ليس لها سوى أن تدار من هيئات منتخبة، وفي ظل ظروف الحالة المحلية، فإن غياب هذه الإدارة بشكلها الحزبي، يرغمنا على ان نتجه في إدارة الحكومة وفق شروط العطاءات والتلزيم، وهو حل أفضل كثيرا من مسابقة جرّب حظك واحصل على تقاعد في ثلاثة شهور.ثم تأتي حالة التشظي التي تغلّف سوق العمل، واضطراد معدلات البطالة، وانحدارها الكبير. كانت البطالة 11,9% في عام 2014 وكانت الظروف أكثر تعقيدا، كنّا نقاتل في جبهة حقيقية وقتما كانت لدينا أدوات نسيطر فيها على سوق العمل، وقد كنّا نوازن في الإجراءات بين السياسي والإجتماعي والمهني ،سواء في تخفيف القيود على العمالة الوافدة وخصوصا المصرية، أو في تدفق اللاجئين السوريين، وقد شعرنا بأن معدلها مرتفع في عام 2016 حين وصلت إلى 13% بعد ضغوطات دولية لتشغيل السوريين ومصالح وطنية في حفظ التوازنات السياسية مع مصر.لكنها اليوم تصل إلى نحو 18,7% عام 2018 وفق نشرات الإحصاءات العامة، وهو إنحدار لا يُنبي سوى عن تراخِ مقلق في إدارة ملف البطالة وتنظيم سوق العمل، بموازاة تردي انطباعات الناس عن حملات التشغيل او التوظيف وانحدار العديد من المؤشرات التنافسية في كل القطاعات وخطورة عدم تحريك النمو الاقتصادي. يؤسفني القول، أن فراسة التعديلات الحكومية قد سجلت خيبات متتالية، حين رسّخت مبدأً حكوميا غير مسبوق في التعديلات، قام على أداة قياس بدائية اعتمدت فترة ثلاثة شهور لتقييم أداء وزراء، في الوقت الذي كان لدى المعدلين مزيد من السعة والدعة، بما يجعل التعديلات ممحّصة بصورة أكبر، لكن كانت النتائج بحجم هذه الخيبات، في الوسط الشعبي والبرلماني والحكومي.ليس ذاك انتقاصاً من شخوص الداخلين، فهم في كل الأحوال أبناء هذا الوطن، لكن الخيبة تمثلت في توصيف الأسباب بأن العوائق ترتبط بالخارجين بينما ترتبط الحلول بالداخلين. هذا منطق سقيم، وليعذرني صديقي حين أقول، أنه بحاجة لمحرك نفّاث، يعيده كما كان، طيبا نبيلا دون سياسة ووجع راس، ويصنع له مقعد صدق جنبا إلى جنب مع مؤنس ومنيف، ويتفكّر في مقاصد الأمير الشاعر خالد الفيصل في قصيدته المغنّاه:-من بادي الوقت هذا طبع ألايامِ..عذبات الايام ماتمدي لياليها..إلى صفالك زمانك علِّ ياظامـي ..إشرب قبل لايحوس الطَّين صافيها.. الوقت لو زان لك ياصاح مادامِ ..ياسرع ماتعترض دربك بلاويهـا.


لخبر على موقع المصدر:“عمون نيوز”