الردود المتسرعة على القرارات الكويتية والقطرية

القرارات الكويتية والقطرية الأخيرة بخصوص وقف اعتماد بعض الجامعات الأردنية لدراسة طلبة الأشقاء في البلدين في الجامعات الأردنية تعد شأنا داخليا للدولتين، فمن حقهما أن البحث عن الأفضل لطبلتهما. صحيح أن لهذه القرارات انعكاسات على سمعة جامعاتنا وعلى إقبال الطلبة من دول أخرى على الدراسة فيها ،لكن ذلك ينبغي أن لا يشعرنا بحجم الهشاشة التي تجلت بالمواقف الدفاعية وأحيانا الانفعالية لوزارة التعليم العالي.الحدث كان ينبغي النظر إليه على أنه فرصة للمراجعة وإعادة التقييم ليس فقط لوزارة التعليم العالي والمنظومة التشريعية التي تبنتها في عام 2018 ،ولكن في معايير هيئة الاعتماد لمؤسسات التعليم العالي ،ولتراخيص الجامعات الخاصة التي تكاثرت بشكل يفوق حاجة الأردن لمزيد من الجامعات ،مما دفع الجامعات الخاصة للولوج والبحث عن طلبة خارج الحدود الأردنية من أجل تشغيل استثماراتها وتعظيم عوائدها.وفي الوقت الذي كان من الممكن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي التعامل بهدوء وروية مع القرارين، فإن التصريحات المتلاحقة وأحيانا غير المقنعة للوزير ساهمت في خلق جو عام نقل تداعيات القرارات من الشأن المحلي للكويت وقطر لتصبح أزمة أردنية داخلية. تبنت الوزارة مواقف دفاعية ضعيفة عن ظواهر في بعض جامعاتنا تتعلق بمعاملة مميزة للطلبة الخليجيين، وتساهل متعمد في شروط الدراسة، ورخاوة واضحة في الالتزام بمعايير التعليم العالي وتشريعاته المطبقة على الطلبة الأردنيين.يجب أن نعترف أن الرخاوة والتساهل في معاملة الطلبة الخليجيين ،والخضوع لرغباتهم في جوانب متعددة من العملية التعليمية مثل الحضور والغياب عن المحاضرات، والامتحانات ،والعلامات ،وربما أحيانا التواطؤ في عمل المشاريع البحثية ،وأحيانا الرسائل كل ذلك وغيره قد أسهم في دفع وزارتي التعليم في قطر والكويت لاتخاذ قراراتها .على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تتحرى وتتحقق بدلا من تصريحات مبعثرة وردود انفعالية إما منكرة لوجود أزمة، أو واعدة ‘بشدشدة براغي ‘ التعليم العالي (وكأن الوزارة قد تفاجئت بما يجري في الجامعات). كان على الوزارة ووزيرها الذي نحترم أن لا يفعل شيئا غير المبادرة بتشكيل لجنة عليا من ذوات يتمتعون بالمصداقية لتقييم الوضع في الجامعات ،والتحقيق في أسباب القرارات الصادرة من الدولتين الشقيقتين. لم يكن ضروريا إصدار تصريحات متعجلة تارة تدعي أن الأمر طبيعي وعادي، وتارة يقول الوزير انه كان على علم مسبق بالقرارات، وتارة يقول بأن القرارات هدفها توزيع الطلبة الخليجيين بدل تكدسهم في جامعه محددة ،وتارة أخرى يقول الأمور مبالغ فيها ،وتارة يلقي باللائمة على بعض الجهات التي استغلت القرارين لمهاجمته شخصيا. أعتقد أن هذه الردود فاقمت تداعيات القرارات وكادت أن تخلق أزمة وطنية للتعليم العالي على الصعيد المحلي.نعم كان على الوزير تشكيل لجنة عليا للوقوف على مسوغات هذه القرارات ،وصحة ملاحظات للأشقاء الكويتيين والقطريين، لا بل أعتقد أن مثل هذه اللجنة كان يمكن أن تكشف عن ظواهر خفية مستترة مثل تدخل الجوانب المالية في العمل الجامعي ،وشراء البحوث وأحيانا ربما شراء الذمم.نتائج مثل هكذا تحقيق ينبغي أن تنشر ويطلع عليه ليس فقط المسئولين، ولكن من حق الأردنيين أن يشعروا بالاطمئنان أن أبنائهم وبناتهم يتلقون تعليمهم وفق متطلبات محترمة ،كما أنه من حق الأردنيين أن يعرفوا ماذا عملت الوزارة لمعالجة الثغرات للحيلولة دون تكرار ما حصل.من جانب آخر أتساءل كيف بلغت الأمور مبلغها ووصلت لما وصلت إليه دون ملاحظة من وزارة التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي ؟أين الرقابة وأين المتابعة وأين الإجراءات الوقائية والإستباقية التي تستدرك الأزمات قبل وقوعها؟نحن ندرك انشغال الوزير بوزارة التربية والتعليم، ونعلم أن الوزير يداوم يومين فقط في وزارة التعليم العالي التي كان يداوم فيها وزير متفرغ بالكاد كان يمكنه انجاز كل ما يجب إنجازه ،ولكن ذلك ليس عذرا .نعتقد بأن من إيجابيات القرارات الكويتية والقطرية هو أن نقف وقفة مراجعة لكامل منظومة التعليم العالي ،كما أنه ينبغي أن نعيد التفكير بقضية دمج وزارتي التربية والتعليم مع التعليم العالي. وزارة التربية والتعليم فيها أكثر من ستون ألف معلم تحتاج إلى وزير متفرغ ويصعب على أي عاقل أن يتصور أنه يمكن أن تضيف إليه أعباء وزارة أخرى مثل التعليم العالي. أخيرا فإن الفرصة سانحة لوزير التعليم العالي لتحويل التحدي والأزمة التي برزت بسبب القرارات الكويتية والقطرية إلى فرصة مراجعة وتقييم ومصارحة وتصويب.


لخبر على موقع المصدر:“عمون نيوز”